لماذا تهاجر العقول عن وطني؟

لي صديق عراقي ذكي ومجتهد جدا ولد في المملكة العربية السعودية وتعلم بها ودرس الطب في اليمن لإن جامعاتنا لاتستطيع إستيعاب السعوديين فما بالك بالإجانب، وبعد تخرجه ورجوعه للمملكة ولكي يستطيع العمل كان عليه أخذ الرخصة الطبية السعودية فكان عليه التدرب في إحدى المستشفيات السعودية، ووجد مستشفى في الخبر تستفيد منه ولكن كان عليه أن يدفع لها بدلا من أن تدفع له وهذا يحصل فقط في السعودية! وأستمر على هذا المنوال لمدة تقارب الستة شهور حتى دخوله الإمتحان وإجتيازه بسهولة من أول مرة!. العقبة الثانية التي واجهته هي العمل كطبيب حتى لايفقد الترخيص الذي حصل عليه، فعمل بنفس المستشفى مجانا (نعم مجانا) حتى حصوله على وظيفة في مستشفى آخر بثمن بخس إستغلالا لوضع إقامته كونه عراقي!

تقدم للسفارة الأمريكية للهجرة الى أمريكا وتم منحه تأشيرة الهجرة له ولزوجته وأبنته التي ولدت في السعودية، وتم منحه الإقامة (البطاقة الخضراء) عند وصوله – لا أعرف إن كان أخذها بملف علاقي أخضر أم لا – والتي بموجبها يعامل كأي أمريكي من ناحية الحقوق والواجبات ماعدا حق الإنتخاب وهذا حق تافه بدليل أننا سعوديين وليس لنا هذا الحق! وخلال إقامته سيتم تجنيسه خلال مدة 3 سنوات وقد تكون أقصر لمؤهلاته العلمية التي تحتاجها أمريكا، بينما لي قريب سعودي الأصل وله مؤهلات أيضا ما زال متقدما للجنسية السعودية ما يقارب العشرين عاما ولايمكنه حتى معرفة حال معاملته!

لحب هذا الصديق لهذا البلد ولتواجد أهله هنا ولتربيته في السعودية – ليس لها علاقة بالأخلاق السعودية التي يعرفها القارئ – فهو سيرجع لنا كأمريكي وقد يوظفه نفس المستشفى ولكن هذه المرة بخمسة أضعاف الراتب.

لماذا نحن قوة طاردة لهذه العقول، لماذا لم نستفد منها ونفتخر بإعطائها الجنسية السعودية، أليس مثل هذه الطاقات أفضل ممن هم عالة على الدولة ويعيشون على الشرهات؟

إذا كانت الطيور تهاجر في رحلات مختلفة المسافات والاتجاهات وتقطع الآف الكيلومترات للبحث عن ظروف معيشية أفضل وللتزاوج والتوالد وتربية صغارها، فليس لي الحق بلوم من يهاجر طلبا لكرامته أو حريته أو علمه أو لإنسانيته ولكن لي الرغبة بمعرفة الأسرار التي تكمن وراء هجرة هذه العقول لعلنا نستطيع أن نبقى على ما تبقى منها ونخلق البيئة التي تستقطب من رحل عنها.